• kenburns1
  • kenburns1
  • kenburns1
  • kenburns1
  • kenburns1
  • kenburns1

التاريخ والتراث


باعتماد معيار الثقافة الأساس، أي العمران، ذلك الجهد الإنساني في التحول بطبائع العيش من البداوة إلى الحضارة، يمكن القول، إن بلدة زرمدين موغلة في القدم، ولئن كنا نجهل تاريخ نشأتها فإننا نعلم أنها ظلت عامرة منذ نشأتها، فإن ذكرها ما خلت منه الوثائق في كل عصور البلد
غير أن الجهل بالتاريخ / الموثق / للظاهرة لا يعدم القول بوجودها


إن الشهادات الماثلة في أكثر من مكان في البلدة ونواحيها، لا توفر للقول ما به يتجاوز العصر الروماني وهذا هو السائد في المعرفة بتاريخها، ولكن
في سنة 203 قبل الميلاد، عاد القائد القرطاجي، حنبعل، بجيوشه من إيطاليا، بعد ملحمة السبعة عشرة عاما إلى " إفريقية " وحط بالموانئ جنوب حضرموت-سوسة-وظـل هناك ينمـي جيشه حتى حانت معركة جامة أو زامة


في تلك الفترة، التي جاوزت العام أو قاربت العامين، قام الجيش القرطاجي بزراعة الآلاف من أشجار الزياتين، بدءا من الشواطئ و باتجاه الدواخل، بأمر من حنبعل الذي كان يهدف من وراء ذلك إلى غايتين : إعمار المكان، و قد جعل جزءا منه ملكية للبرقيين، و تنمية جيشه بالرجــال القادرين على الحرب من أهل المكان، و ذلك ما كان يفعله مع أهالي الأمكنة التي عبرها خلال ملحمته من قرطاجنة إلى البيريني، إلى الرون، إلى الآلب، إلى كامل المناطـق الإيطالية ... و زرمدين معروفة بغابة الزيتون وهي لا تبعد عن الشواطئ التي حط بها حنبعل أكثر مـــن عشرين ميلا، و هذا ما يسمح بالقول: إن جنود حنبعل وصلوا زرمدين لزراعة الزيتون و لتنمية الجيش، و هذا مؤداه أن نشأة البلدة تسبق مجيء الرومانيين ... و الأمر يتجاوز مجرد التخمين


غير أن الحضور الروماني ماثل بما يشير إلى أن زرمدين كانت اكثر من تجمع سكني منعزل أو منغلق على ذاته، بل تجاوزت ذلك إلى كونها المحطة على الطريق من / هادرومتوم -سوسة- إلى تيزدروس -الجم-: لوحة بوتنجر table de Potinger / تضم نقطة على الخط الموصل بين سوسة و الجم في موقع زرمدين اليوم، و إذا صح هذا، فإن الاسم الروماني للبلدة هو: Avidus Vicus  و هذه التسمية احتفظ بانتسابها إلى البلدة عند اكثر من مؤرخ  ( شارل بيسو، مثلا، في كتابه: استكشاف علمي لتونس - جغرافيا مقارنة باريس 1888 )


بعد الرومانيين، جاء الفندال، و لكنهم ما أدركوا جهة الساحل بل وقفوا عند الشمال و الغرب من قرطاج ... ثم جاء البيزنطيون، و كان دخولهم من ناحية البحر شرق البلد، و من هناك وصلوا سبيطلة، و لا شيء يمنع افتراض عبورهم البلدة باتجاه الدواخل. ثم كانت الفتوحات الإسلامـية / من الجنوب باتجاه الشمال / و تلاها الاستقرار و تعدد العواصم: القيروان، المهدية، تونـس، و نمت بعض المدن كمراكز للسلطة و تجذر موقع زرمدين كمحطة بين المدن / بين القيـروان و سوسة أو بين القيروان و المنستير/ و صارت المحطة مرحلة من الطريق


في رحلة التيجاني سنة 1307 م الموافق ل 703 هـ نجد: " ... وبزرمدين حصن حصين أسفله حجارة وأعلاه طيـن يـأوي إليها أهلها، وبخارجها مقبرة الشّيخ أبي محمّد السّيد الزرمديني من أهلها، يذكر عنه صلاح وفضل ..."  صارت مرحلة من الطريق، ثم صارت طرفا فيما يحدث من وقائع ذكرها وارد في أكثر من مرجع ضمن بعض قرى الساحل التي اختارت لنفسها موقعا في الصراعات التـي دارت بين أفراد الأسرة المالكة أيام الحسينيين

 

وتبقى مسألة التسمية: كيف تم الانتقال من الاسم الروماني إلى الاسم العربي؟ يصعب الحسم في فيها " علميا " لعدة أسباب، لعل أهمها
 أن الحضور الروماني في تونس جاوز الثلاثة قرون
 أن الحضور الفندالي جاوز القرن، و لكنه لم يجاوز فضاءات قرطاج
- أن الحضور البيزنطي جاوز الثلاثة قرون / و الإمبراطورية البيزنطية امتداد للإمبراطورية الرومانية منذ حولت عاصمتها من روما إلى بيزنطة /.  
معنى هذا أن البلدة ظلت حاملة لتسميتها الرومانية حوالي ثمانية قرون، ثم صـارت زرمدين، دون أن يتضمن الانتقال من التسمية الأولى إلى الثانية، ما يسمح بفهـم واضح، وبالتالي ما يشرّع لإصدار حكم يقوم على ما يبرره، ولذلك يكون التوقف عند مخزون الذاكرة المحلية هو الأسلم معرفيا في انتظار توفر ما يسمح بإصدار الحكـم الحاسـم للمسألـة


وفي الذاكرة المحلية، أن زرمدين تحوير / على مستوى الحرف الأول " لصرم الديـن" فـإن صح هذا فالأمر يزداد غموضا لما تتملكه لغتنا العربية من ثـراء في العلامـات والـدلالات والمعاني، قلّ أن توفرت عليه أغلب اللغات الحية
في الذاكرة أن تسمية البلدة تأتي من موقف تجاه أهلها وهم جماعة صرموا الدين أو من موقف تجاه رجل شديد من أهلها صرم الدين
و في مراجع اللغة العربية نجد صرم الحبلُ : انقطع  -الشيء قطعه-  جزه ... و رجل صارم أي ماض في كل أمر ... و الصرامة: المستبد برأيه المنقطع عـن المشـاورة ... و الصريمة إحكامك أمرا و عزمك عليه ... و لكننا نجد أيضا: صرم فلان عندنا شهرا: أقـام عنده،  و الصّرم: الجماعة، جماعة البيوت ... و إذن فالتسمية تراوح بين الذين قطعوا مع الدين، و الذين انقطعوا له، و المعنى الثاني هو الأقرب إلى القبول من الأول: و يدعم هذا القول وجود أكثر من مسجد و أكثر من مقام / أو زاوية / لولي صالح في الجزء العتيق من البلدة على صغر مساحته
و في القرن السادس عشر حل الولي الصالح سيدي إسماعيل بمدينة زرمدين و استقر بها إلى أن توفاه الأجل و سمي المكان الذي دفن به بزاوية سيدي إسماعيل و لا تزال هذه الزاوية تشهد زيارات أهل المدينة إلى يومنا هذا

أما الباحث البشير التركي فيعود بتسمية زرمدين إلى مدينة الزيتون حيث أن الزر معناه الزيتون ما أمكنه القول أن زرمدين كانت غابة كثيفـة مـن الزيتون تراكمت بقاياها فـي المستنقعـات و غاصت تحت الماء و الطين الموجود هناك بكثرة، ففي محيط بدون هواء تتحول فعـلا إلـى فحم ما يمكن أن يدعمه وجود الخشب الحجري بكثرة ( LIGNITE ) هـذا وقد عثـر في منطقة وادي الشب و تحت آثار كوخ قديم على مجموعة مـن رؤوس الرمـح و الحربـة

 


 

رأس حربة كبير و نادر طوله 37 صنتمترا مصنوعة من الطين الراسب وهي صلبة كالحديد و قاطعة كالبلور استعملت لصيد الفيل الوحشي (mammouth) و المعلوم أن هذا الحيوان انقرض منذ أكثر من 20000 سنة
2- رأس حربة طوله 16 صم بنفس التكوين و نفس الغرض
3- رأس حربة طوله 15 صم مصنوع من الكلسيت (calcite)
4- رأس حربة صغير من الكلسيت طوله 5.5 صم
5- رأس حربة أو سهم طوله 3.5 صم من الصوانة لصيد الحيوانات العادية
وإن صح هذا البحث فيمكن الرجوع إلى أن البلدة كانت آهلة بالسكان منذ أكثر من 20000 سنة
في العصر الحديث  ورد ذكر زرمدين في أكثر من مرجع ضمن بعض قرى الساحل الـتي اختارت موقعا في الصراعات التي دارت بين أفراد الأسرة المالكة أيـام الحسينيين ... و مـع دخول المستعمر الفرنسي يصبح للبلدة موقع متميز جعلها الجزء الذي لا تهمل قراءته في كتاب حركة التحرير الوطني، على مستوى التمرد الفردي / صالح عيسى، محمد زهير، الهاشمــي العيوني ... / إلى التمرد الجمعي / مجموعة صالح الوحيشي / إلى المقاومة الموجهـة برؤيـة قادة حركة التحرير، حتى أنه بالإمكان الحسم بأن البلدة ما انقطعت عن مقاومة المستعمر طيلـة وجوده في البلد. وعديدة هي الأخبار التي تقول بمدى احتراز المستعمر من البلدة ومدى العنف الذي كان يسلطه على أهلها
عن احتراز المستعمر
لا تتميز زرمدين بثرواتها المعدنية أو الزراعية، وهي لا تحتل موقعا إستراتيجيا خارقا. ومع ذلك ففي عام 1896 تجعلها الحماية الفرنسية موضوع اهتمام متميز بالنسبة إلى باقي البلدات بالجهة: وتجعلها مقرا للخلافة، ففي كامل الجهة المعروفة اليوم بولاية المنستير نجد الخارطة الإداريـة على الشكل التالي: القيادة بمدينة المنستير والخلافة ببلدة زرمدين
عن العنف الذي سلطه المستعمر؟
-" قد يكون من باب السخف أن نوهم في مثل هذه الظروف أن الساحل أحسن مثال لاستتبـاب الأمن خصوصا و أن عصابة  الأربعة  بزرمدين القريبة جدا من ميدان الغارة تواصل العيش في طمأنينة و تنعم باحترام الخاضعين لها وهي في نفس الوقت تعد العدة، بدون شك،  لحمـلات أخرى (31/05/1947 - dépêche tunisienne   )
 فعلا كانت لمقاومي البلدة صولات وجولات عديدة في مواجهة جيوش المستعمر منها معارك معان بمنطقة بن مسعود ووادي مريم، ومنطقة المولات، ومعارك واد البير، والفايض والغرابة وعديد المعارك الأخرى
- نشرت جريدة/ l'humanité / الأسبوعية نص برقية اتصلت بـها مـن صاحـب السعادة إبراهيم عبد المجيد باشا، رئيس الاتحاد العربي بمصر تتضمن الاحتجاج على فـضائح زرمدين و تضامن عرب مصر مع إخوانهم التونسيين في هذه النكبة بصفة خاصة، و تأييـدهم للقضيـة التونسية بصفة عامة ( الزهرة 25/07/1946 )
- و في كتاب " تونس عبر التاريخ " لأحمد بن عامر ص 411 : ثورة و مؤتمر، منذ أقدم العصور إلى إعلان الجمهورية جاء ما يلي

"في سنة 1946 م الموافق لـ 1365 هـ اندلعت ثورة بزرمدين إحدى قرى الساحل فقوبلت بالحديد والنار والفضائح لا سيما في قريتي زرمدين وبني حسان وكان لها صدى كبير،فهرع القادة إلى عقد اجتماع سري بالعاصمة عرف بمؤتمر ليلة القدر لانعقاده ليلة 27 رمضان 1365 هـ الموافق للثاني من شهر أوت 1946 حضره نواب عن الحزبين: الجديد و القديم و عن المنظمات القومية و بعض الشخصيات التونسية و تقرر أثناءه إعلان سقوط الحماية و المطالبة بالاستقلال التام و الانضمام إلى الجامعة العربية...... فاضطر المقيم العام إلى الإعلان عن مسلك جديد في السياسة و عن برنامج إصلاحات
-    "و إن لم يكن هناك جديد يذكر في الساحل، فإن قطاع الطرق الزرمدينين و أذنابهم لم يقعـوا بعد في الفخ الذي نصبته لهم الشرطة."
(1948/02/26 - dépêche tunisienne)
       وفي 20/04/1948، استشهد المقاومون الأربعة في فخ نصبه له المستعمر بمنطقة العيايشة، معتمدية القطار، ولاية قفصة. ولم تتوقف الحركة، فواصل العديد من أبناء البلدة المشاركة في
             المقاومة إلى أن تم الحصول على الاستقلال

روابط مفيدة

حالة الطقس

مدونة

عداد الزوار

18367 /زيارة

بلدية زرمدين

مواكبتنا

خريطة


. MACSI Centre تصميم شركةجميع الحقوق محفوظة commune-zeramdine.gov.tn © 2016. جميع الحقوق محفوظة.